المقال متوفر كثريد على توتير بشكل تفعالي اكثر.

عندما كنت في التاسعة عشر من عمري، وعندما كانت “موضة” ريادة الأعمال تسيطر على الأجواء، وحبّ ريادة الأعمال يسيطر على جزء من تفكيري، وبحماس كبير لتحقيق الأحلام التي لطالما أردت إنجازها، قررت بداية مشروع جديد جانبيّ خاصّ بي مع عملي الوظيفيّ؛ ليليوم – استوديو خاصّ بخدمات التصميم والبرمجة والتطوير.

ما منعني من ترك وظيفتي حينها والتركيز بالكامل على ليليوم كان حاجتي للمال، ولعدم استقرار مشروع جديد كهذا، قررت المحافظة على عملي السابق بالإضافة لتوفير ما يكفي من المال لتغطية مصاريف ثلاث أشهر في المستقبل، وهكذا أصبح لديّ عملان، الأول في وظيفتي العاديّة، والثاني على الاستوديو الصغير الذي أبنيه بالتدريج.

في البداية، لبناء معرض أعمال الشركة -بالإضافة للمشاريع الصغيرة التي قمنا بإنشائها من أفكارنا- قررت تصميم وتطوير قوالب ووردبرس وبيعها على المتاجر، هذه القوالب ستصبح جزءاً من معرض أعمال الشركة وستكون الطريقة الأفضل لإقناع العملاء المستقبليين بإننا خبراء في المجال، وأنّ العمل معنا مضمون وموثوق – ليس بالكلام، وإنما بالفعل.

وبسبب نشاطي في مجتمع Hsoub IO ونشري للمقالات التعليمية هناك، كان من السهل نسبياً في البداية كسب ثقة العملاء الأوائل، واختصر هذا عليّ جزءاً كبيراً من الجهد.

وبعد فترة قصيرة، حصلت على العميل الأول لليليوم، في تلك الفترة كنت لا زلت أعمل في وظيفتي بوقت كامل وكانت ليليوم لا تزال مشروعاً جانبيّاً.

كان المشروع ضخماً وكان العائد منه قادراً على تغطية مصاريف ثلاث أشهر، عملت على المشروع بعد أوقات العمل وأنهيته في شهر ونصف تقريباً، وبعد انتهائي منه، قررت ترك الوظيفة والتركيز على ليليوم لأصبح رائد أعمال Full Time.

المرحلة الأولى – ليليوم دوام كامل وأكثر

أوّل ما أدركته في هذه المرحلة أن الكلام المنتشر عن ريادة الأعمال لا علاقة له بالصحّة، النقود لن تمطر عليك، لن تتاح لك الفرصة للاستلقاء على الشاطئ أثناء تصفح الإنترنت وكسب المال، الموضوع بحاجة لجهد كبير وعمل لأوقات إضافيّة ويتضمن صعوبات هائلة. وللسنة الأولى في ليليوم لم يكن هناك أحد معي، كنت أحمل على عاتقي مهام التصميم والتطوير والدعم الفني والتواصل مع العملاء وأيّ شيء آخر يجب القيام به.

أجل، كنت حينها اتكلم بصفتي “شركة” و”فريق عمل” ولكن في الحقيقة، كنت الوحيد المسؤول عن كلّ شيء – “المحاسب نور” الذي أرسل الفواتير للعملاء كان اسماً وهميّاً، وكان عليّ بنفسي تعلّم إدارة الحسابات والتعامل مع العملاء.

بالطبع، تلك الفترة كانت صعبة، ولكنّها أيضاً كانت من أهمّ التجارب وأكبر الخبرات التي حصلت عليها، وأغلب ما تعلّمته في هذه الفترة أفادني لاحقاً في إدارة الفريق مختلف الاهتمامات والخبرات، وتنظيم المشاريع.

وفي نهاية تلك الفترة، بدأت توظيف أشخاص كمستقليّن وكدوام جزئيّ، عن بعد بالكامل، دون وجود مقرّ أو مكتب للشركة. وهنا بدأت المرحلة الثانية.

المرحلة الثانية – بداية التوسّع

في بداية السنة الثانية من حياة ليليوم – بداية عام 2018، بدأت المشاريع بالتضخّم، وبدأت الأمور ترهقني، لم يعد بإمكاني التركيز في كلّ المهام المفروضة عليّ، واهتمامي بالتصميم وانتقالي من التركيز على البرمجة إلى التركيز على التصميم صعّب كلّ هذا أكثر وأكثر.

احتجت شخصاً لمساعدتي، وهنا عثرت على مبرمج خبير وصاحب مشاريع سابقة، وقررت التواصل معه ليشارك في ليليوم من مبدأ “عقلين أفضل من عقل واحد” وعرضت عليه نسبة 50% من ليليوم.

هذا كان خطأي الأول. كانت نظرتي للحياة وردية أكثر من اللازم. ولكن حينها لم أكن أعلم ما سيحصل.

بعد التشارك مع هذا المبرمج الجديد، قررنا التوسع في العمل وضم أعضاء جدد للفريق، والأهم من هذا وذاك قررنا الانتقال لمكتب فعليّ بدلاً من العمل على الإنترنت بالكامل، وفي تلك الفترة كان الحماس للشركة في أوجّه، وكان العمل ممتعاً ومثيراً وابداعيّاً لدرجة لا توصف، سهرات طويلة، نوم في المكتب، غفوات أثناء العمل، لم يكن المال حينها مهمّاً حتّى. العمل نفسه كان مصدراً للرضى والسعادة.

المرحلة الثالثة – الاستثمار

في أواخر 2018 وبداية 2019 بدأت عروض الاستثمار تنهال على ليليوم وأفكارها وفريقها، وهنا بدأت المغريات تظهر – كان ردّ الفعل الداخليّ في الفريق “لِمَ لا” فبهذه الطريقة يمكن توسيع نطاق العمل، يمكننا تقديم رواتب أفضل وبيئة عمل أكثر استقراراً، وقررنا في النهاية أخذ استثمار بقيمة 200 ألف دولار.

المشكلة التي لم نفكّر بها هنا أن المستثمر لم يكن له أيّ علاقة بالتقنية، وعندما دخل كشريك في ليليوم أراد تعيين مدير ومسؤول عن الشركة. الشخص هذا كان مديراً مسؤولاً عن شركة عقارية ناجحة، ولكن إدارة شركة برمجية كليليوم بنفس الطريقة التي تدار فيها الشركة العقارية لم يكن خياراً صحيحاً، وهنا بدأت الشركة في عصر انحدارها.

المدير الجديد المعيّن لترشيد الإنفاق وإدارة الأموال قام بالعكس تماماً؛ أنفق مبلغ 15 ألف دولار على الديكور وتجهيز المكتب. هذه المصاريف لم تكن ضرورية لشركة برمجية أغلب عملها وزبائنها يتعاملون معها عن بعد عبر الإنترنت.

وياللمفاجأة، شعر المدير بعد فترة أن استثماره خاسر، وأن المبلغ المطروح يتناقص دون تغطية النفقات، وأن عليه إعادة تنظيم الشركة وفصل أكثر من نصف الموظفين لتخفيض النفقات – لتصبح ليليوم مجرد مشروع جانبي له بعد شركته العقارية الناجحة.

في تلك اللحظة لم أعد قادراً على تقبّل ما يحصل، رفضت وعاندت، رأيت حينها أن الشركة التي بنيتها بيدي بدأت تموت، وأن ما تبقى منها لم يعد يستحق.

بعد شهر من فصل الموظفين أصبحت أتعامل مع ليليوم وكأنّي موظّف فيها، وليس وكأنّها مشروع شخصي وصميميّ. على الساعة الخامسة تماماً تركت المكتب وعدت للمنزل. لم أقدّم أيّ شيء إضافيّ غير المفروض عليّ، وكان الجوّ حالكاً بالمجمل.

شهر آخر يمرّ ليستدعيني المدير وبقيّة “شلّة” الإدارة لتقديم قرار فصلي -مؤسس الشركة- لأنني السبب في مشاكلها كلّها، وليفرضوا عليّ إعطائهم حصّتي من الشركة، ليس فقط بالمجان، بل مع شكرهم وتقدير جهودهم لقبول هذه الحصّة دون مقابل.

بعد الفصل مباشرة حظر وصولي لسيرفرات الشركة، وفيها كلّ المشاريع الناشئة التي عملت عليها ليلاً نهاراً، وشغف ثلاث سنوات من العمل في الشركة مات في تلك اللحظة… تحطّمت الأحلام… وذهبت التضحية سدى.

لم أحصّل أيّاً من حقوقي في الشركة ولكنّ تجربة ليليوم تركت في داخلي الكثير من الخبرات الحياتية والعملية التي لا تقدّر بثمن.

بدأت ليليوم في التاسعة عشر من عمري، وانتهت قصّتها وأنا في الثانية والعشرين، وفي هذه السنوات الثلاثة هذه خلاصة الدروس التي تعلّمتها:

  • ريادة الأعمال عمل مرهق.
  • اختيار الشريك في العمل أهمّ من اختيار الزوجة.
  • وثّق كلّ شيء بشكل قانوني قبل الاتفاق على الشراكة.
  • أدرس فكر الشريك وطريقة عمله قبل الدخول في الشراكةز
  • لا تثق بأحد بسهولة. تعرّف على الناس جيّداً قبل التعامل معهم.
  • لا تقبل باستثمار يأخذ منك حقّ الإدارة.

بعد انتهاء رحلتي في ليليوم، عدتت للعمل مجددا بشكل مستقل تماماً مع فريقي المكون من 4 اشخاص نعمل بشغف لتقديم افضل تجربة عربية.
واطلقت منذ فترة منصة مساق اسعى عبرها الى تطوير تجربة التعليم في العالم العربي

وفي النهاية، حظّاً موفّقاً في مشروعك الناشئ، أتمنى أن تساعدك هذه القصّة في تجنّب الأخطاء التي وقعت فيها أنا وتدفعك نحو النجاح بأمان.

Posted by:حسام عبد

CTO & Director / Founder

6 thoughts on “ تجربتي في تأسيس شركة ناشئة عاشت 3 سنوات وفشلت ”

  1. شكرا جزيلا لك حسام عبد على مشاركة هذه التجربة الفريدة, هي قصة تجعلك تجرب شتى الاتفعالات في فترة وجيزة, حزن ثم حيرة ثم فقدان للثقة ثم احساس بأمل جديد, ربما تكون هذه قصة قصيرة عن الفشل, و لكنها درس ثمين في النجاح لك و لنا جميعا و بالتوفيق لك في مشروع مساق.

    1. شكرا لك خيرالدين، الحمد لله رغم كل ما حصل إلا أنها كانت سبب في تغير حياتي 180 درجة، وتهيئتها إلى مرحلة جديدة كان لا بد من هذه الدروس والخبرات لخوضها في مساق.

  2. يا الهي ، أنا انصدمت بصراحة ، قصتك ملهمة و ثرية تماماً
    كنت أفكر في انشاء شركة ناشئة أنا أيضاً في المشروع الذي بين يدي الآن
    لكن منك نتعلم لنتجنب تلك الأخطاء .
    صياغتك للمقال و معرفتك الواسعة خير دليل على عمق التجربة التي مررت بها .
    تحياتي و شكرًا جزيلًا لك على مشاركتنا تجربتك

  3. قصة ملهمة تستحق التوثيق.. شكراً لمشاركتها!

    لا اكاد اتوقف في مكان في هذا العالم الشاسع الا وارى اقدار الله تجري لصالح عباده! كله لخير ما بقي الانسان على استقامته! بالنظر الى الوراء قليلا وبالتفكير في اللحظات المحزنة التي مررت بها حتى من قبل ان تبدا هذه الشركة، فكان كله تاسيس لما انت عليه الان. لربما احترت حينها لماذا يحصل لي كل هذا – ولا يزال هذا لسان حال كثير من اصدقاءنا – ولكن كان قدراً لتصقل مهاراتك اكثر، وتنطلق بخطى ثابتة في رحتلك الثانية.

    بعد 10 سنوات من الاغتراب، سعيد لارى اين وصلت واقراء المزيد عن تجاربك. بالتوفيق اخي حسام!

  4. قصة ملهمة جداً والله, و تعلمت منها دروس راح تفيدني, متل ما بقولوا, الشاطر يلي بيتعلم من غلط غيره, نقطة إختيار الشريك أهم من إختيار الزوجة, حرفيا لازم تكتب بماء من ذهب, لأني أيضا مريت بتجربة شريك كانت سيئة للأسف و الحمد لله.

    شكرا حسام لمشاركتك هي التجربة الجميلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.